ضرب الأولاد في الإسلام 1

بقلم علي الحجر

لقد وجه الشارع الحكيم إلى تربية الأبناء، وجعل تأديبهم مطلبا وواجبا شرعيا يقوم به الأولياء ، وقد بين ابن القيم ذلك فقال:( وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قِبَل الآباء). وقد قال الله تعالى :[   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ].(التحريم، الآية:6) فالوقاية المطلوبة في الآية تكون بتعوديهم علي طاعة الله عزوجل *وابعادهم* عن المعاصي ، 
قال ابن كثير:( أي مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، ولا تدعوهم هملا؛ فتأكلهم النار يوم القيامة). 
ومن السنة ما روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت).

ومن أقوال السلف: ما ورد عن القاضي أبي بكر بن العربي: (الصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، ساذجة خالية من كل نقش وصورة،  وهو قابل لكل نقش،  ومائل إلى كل ما يمال به إليه،  فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له ومؤدب،  وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له). فأساليب التربية كثيرة متعددة ومتدرجة تختلف من طفل إلي أخر ، فصبي يكفيه عبوس الوجه وآخر لا يرتدع إلا بالكلام الغليظ وآخر بالتهديد وآخر لا ينزجر إلا بالضرب كل على قدر حاله .

وأما ضرب الأولاد فقد اتفق فقهاء السلف علي جواز ذلك إصلاحا وتأديبا لهم ولكن  لم يتركوا الأمر  لأهواء *المربين* بل وضعوا ضوابط وشرطوا شروطا لابد من تحقيقها في المؤدب وفي الصبي وفي أداة التأديب ذاتها وفي *وقت ومكان العقاب ومقداره* 
مستدلين *بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:* (علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم ).


ولقد بين الشرع أيضا الحالات التي يجوز فيها الضرب *وذلك بعد استنفاذ الوسائل التربوية التي تسبقه* 



 فالسلف لم ينكروا الضرب كوسيلة من وسائل التربية لكن جعلوه آخر دواء وقدموا عليه *الرفق* عملا بقوله صلى الله عليه وسلم 
 (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلى شانه).
قال ابن حجر :( وإذا جاز للمعلم التعزير فله الضرب، ويلزمه أن يكون على حسب ما يراه كافيا بالنسبة لجريمة الولد، فلا يجوز له أن يرتقي إلى مرتبة وهو يرى أن ما دونها كافيا بالنسبة لجريمة الولد).

وقال ابن الحاج المالكي: (....فإذا كان الصبي في سن من يضرب على ترك الصلاة واضطر إلى ضَرْبِه، ضَرَبَهُ ضربا غير مبرح....)، فقوله: "واضطر إلى ضربه" *يدل* دلالة واضحة على أن العقاب بالضرب كان من الأمور غير المستحبة عند المتقدمين.



وقد *ذكر* ابن خلدون في مقدمته أن هارون الرشيد لما دفع ولده الأمين إلى مؤدب قال له: (قومه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ).



ويجب أن يكون  العقاب من أجل الإصلاح، *فإذا كان الولد لا ينزجر بالضرب؛ فلا يجوز ضربه،* وعلى المربي أن يبحث عن وسيلة أخرى  
، قال العلامة بن حجر:( والعقوبة إنما جازت لنمو الصبي على خلاف الأصل لظن إفادتها زجرا له وإصلاحا، فإذا ظن انتفاء فائدتها فلا مقتضى لجوازها). *فمتى انتف الغرض؛* انتف جواز الوسيلة .

و كلام سحنون الفقيه في *وصيته* لمعلم ابنه : (لا تؤدبه إلا بالمدح ولطيف الكلام ، وليس هو ممن يؤدب بالضرب أو التعنيف). 
 *وسنذكر مواصفات المؤدب وأداة الضرب،* وكذلك طريقة الضرب ومكانه  في عدد آخر إن شاء الله تعالى



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-