في بيتنا مارك !



بقلم – أحمد سعيد 

لم يخطر ببال الأمريكي مارك زوكربيرغ عند تأسيسه "فيس بوك" أن اختراعه سيصل أركان الدنيا الأربع، لدرجة أنه دخل إلى بيت 2.5 مليار شخص، هم أعداد من يستخدم التطبيق حول العالم !، فقلما تجد شخصا لا يمتلك حسابا على الموقع الأزرق، ومن غير السهل أن تجد بيتا لم يدخله اختراع مارك. 


ومثلما دخل "فيس بوك" البيوتات الغربية؛ دخل بيوتنا العربية والمصرية أيضا، وبطبيعة الحال أصبح في بيتنا مارك !، وقد يتساءل سائل أين المعضلة ؟ أليس هذا الأمر عاديا في زمن التقدم الذي نحياه وتماشيا مع عصر التكنولوجيا ؟!. 


نعم عزيزي، قد يبدو الأمر طبيعيا إن كان استخداما عاديا للتكنولوجيا، يمكنك التحكم فيه وقتما تشاء، تتصفحه حينا وتعرض عنه أحيانا أخرى، لكن الأمر يبدو غير ذلك، وبدلا من أن نتحكم نحن في عالمنا الافتراضي؛ تبدلت الصورة وتحكم هو فينا. 


قد يبدو لك الأمر عاديا ولا يدعو للقلق، لكنك إن تدبرت قليلا ستدرك حجم الكارثة التي تنتظر عالمنا، ولن أتحدث هنا بلغة الأرقام التي لا يحبها البعض، لكني سأستشهد بما نحياه على أرض الواقع، حيث زوج لا ينتبه لزوجته وأم لا تنتبه لأطفالها، وصديق لا ينتبه لأصدقائه؛ فالجميع مشغول بتصفح ذلك الهاتف وبالنظر إلى تلك الشاشة، دون أن يكترث للساعات التي تمضي، ولا لمن يجالسه ولا ينتبه إليه.


مارك الذي دخل إلى بيوتنا، وشاركنا أدق تفاصيل حياتنا، وسرق أغلب أوقاتنا وسلبنا خصوصيتنا، تمكن من فرض هيمنته وسيطرته على جموع العالم، بما فيه نحن!، ولم يجد مارك حرجا في الإعلان عن ذلك صراحة، بل تفاخر بأن العالم بات في قبضته وتحت هيمنته. 


الأمريكي زوكربيرغ يعلم أنه نجح في فرض هيمنته على العالم أجمع، وقد اتضح ذلك جليا عندما تعطل الموقع الأزرق بضع ساعات فقط؛ إذ بدا العالم كطفل تائه ضلّ الطريق، وعجز عن التواصل مع الآخرين، وكأن العالم أصيب بشلل في أركان جسده .


الأمريكي لم يكتف بما حققه من مكاسب، وبما فرضه من هيمنة وسيطرة؛ فقرر فرض المزيد من السطوة، وإحكام السيطرة، وذلك من خلال تقنية جديدة أسماها "ميتافيرس" وعُرفت في أوساط التكنولوجيا باسم "العالم الافتراضي"، وهي تلك التقنية التي يأخذك مارك من خلالها إلى عالم آخر من صنع الأمريكي نفسه، وهو المتحكم الوحيد في ذلك العالم الجديد، وهو الذي يضع قوانينه ّ.


تدبر تلك الصورة التي تراها بالأعلى، ومدى الزهو والفخر الذي يعلو وجه ذلك الشاب الأمريكي، وهو يسير يلوح بذراعيه بعدما تمكن من فريسته وأحكم سيطرته عليها، وانظر إلى هؤلاء الذي غابوا عن وعيهم وأغمضوا أعينهم حتى لا يروا إلا ما يريهم إياه ذلك الأمريكي !.


ما تراه في هذه الصورة، هو ما يريده مارك لعالمنا ومجتمعاتنا، أن تنفصل عن واقعك وعن عالمك وعن أسرتك ومجتمعك، أن تكون مغيبا عن أي شيء إلا شيئا واحدا، ذلك الشيء الذي يريك إياه مارك.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-